Skip to main content

"الحنطة".. القوة الناعمة للسوداني

مقالات السبت 10 أيار 2025 الساعة 15:21 مساءً (عدد المشاهدات 93)

خاص/ سكاي برس

 نبأ إبراهيم/ باحثة في الشأن السياسي

في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، أقدم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على إرسال مساعدات غذائية ضخمة إلى عدد من الدول العربية، شملت أكثر من 200 ألف طن من الحنطة إلى سوريا، و50 ألف طن إلى تونس، وأكثر من 300 ألف طن إلى لبنان، فضلاً عن خدمات مجانية ومساعدات إضافية لدول الجوار وغير الجوار.

هذه الخطوة تضعنا أمام احتمالين: الأول ينطلق من منظور اجتماعي-ثقافي، يتمثل في النزعة العربية للكرم والموروثة من حاتم الطائي، وهي نزعة قد تكون في غير محلها في ظل واقع اقتصادي هش وشعب يعاني الفقر والبطالة.

فهل من المعقول أن تُرسل آلاف الأطنان من الغذاء خارج الحدود، بينما يعجز كثير من العراقيين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء؟

أما الاحتمال الثاني، من منظور سياسي، فيتمثل في سعي السوداني لبناء دور إقليمي جديد للعراق، يقوم على تقديم المساعدات والتبرعات لتعزيز الحضور والنفوذ في المنطقة. غير أن هذا النموذج أثبت فشله في تجارب دول أخرى، وعلى رأسها التجربة الإماراتية، التي رغم ما ضخته من مليارات في صورة مساعدات، فشلت وسقطت في أول اختبار سياسي حقيقي.

وفي كلا الاحتمالين، فإن بناء الأدوار الإقليمية لا يتم عبر الكرم والمساعدات، بل عبر أدوات القوة الشاملة: قوة اقتصادية متماسكة، قوة عسكرية رادعة، وقوة ذكية تدمج بين القوة الصلبة والناعمة، وتُدعم بإعلام مؤثر، ودراما قادرة على صياغة الوعي، ومراكز بحثية وثقافية ودينية تُنتج خطاباً قادراً على التأثير محلياً وخارجياً.

العراق يمتلك مؤهلات حقيقية تؤهله لبناء دور إقليمي فاعل: قوة إعلامية كبيرة، ونخب ثقافية وصناع محتوى لهم تأثير متنامٍ على مواقع التواصل، فضلاً عن شعب قادر على التفاعل حينما يُوجّه توجيهاً واعياً. لكن هذا لا يمكن أن يتحقق دون استراتيجية سياسية واضحة ومتماسكة، تستند إلى مستشارين محترفين وسياسيين يمتلكون فهماً عميقاً لإدارة المصالح والعلاقات الدولية، لا إلى مهرجين سياسيين يصنعون صورة القائد المُخلّص دون أي مضمون سياسي حقيقي.

إذا كان السوداني جاداً في بناء مكانة جديدة للعراق، فإن الخطوة بحد ذاتها لا تُلام، بل يجب أن يُسأل عن كيفية البناء، وأين الاستراتيجية، وأين الشعب من كل هذا؟ لا يمكن أن تذهب خيرات العراقيين إلى الخارج بينما الجياع في الداخل يزدادون فقراً. فالدور الحقيقي لا يُبنى على العطاء المجاني، بل على موازنة دقيقة بين الداخل والخارج، بين السيادة والمصلحة، بين الكرامة الوطنية والدور الإقليمي.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة