سكاي برس/ بغداد
بينما تتفاقم أزمة الكاز "زيت الوقود" في العراق، تكاد تكون حلولها عقيمة، لا ترتقي لمستوى حجم الكارثة التي قد يصل إليها العراق خلال موسم الشتاء، الذي بات على الأبواب، لتحل الكارثة الكبيرة خلال فصل الصيف الذي يليه، هكذا حذر الخبراء من تداعيات استمرار هذه الأزمة المستمرة منذ مطلع الشهر الجاري.
وعن تفاصيلها، أوضح الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، خلال حديثه، أن "وزارة الكهرباء اتجهت إلى تشغيل المحطات الكهربائية باستخدام مادة الكاز العراقي، والذي ينتج بكميات محدودة تكاد تكون كافية للاستخدامات العامة من تشغيل المولدات الأهلية واستخدامات سيارات وشاحنات النقل".
وقال عيد، إن "هذه الكميات محدودة، وتجهيز محطات الكهرباء الوطنية يحتاج إلى كميات كبيرة من مادة الكاز، مما يتطلب التوجه إلى زيادة الإنتاج المحلي من مادة الكاز، والعمل على استثمار الغاز المصاحب للاستخراجات النفطية بالشكل الذي يضمن اكتفاء العراق ذاتياً". وأضاف أن "تشغيل المحطات الوطنية بالكاز المحلي وسحب كميات كبيرة من مشتقات الكاز بهذا الشكل أثر سلباً على المواطنين، وهذا ما لاحظنا في الفترة الأخيرة، حيث تم استنفاد الخزين الاستراتيجي من مادة الكاز لدى وزارة الكهرباء".
ورجح عيد، أن "سبب هذه الأزمة لا يقتصر على تجهيز محطات الكهرباء الوطنية بمادة الكاز ونفادها، إنما هناك عمليات تهريب ممنهجة للمشتقات النفطية ومنها مادة الكاز، تتم من خلال جهات متنفذة باتجاه دول الجوار، خاصة بعد التوترات العسكرية التي تشهدها المنطقة والهجوم الأخير على لبنان، وهذا ما كلف العراق خسائر اقتصادية باهظة قد تتفاقم خلال الفترة القادمة إذا لم يتم وضع حد لهذه العمليات".
وكانت وزارة النفط العراقية أعلنت قبل مدة، أنها وصلت إلى مرحلة الاكتفاء من زيت الغاز والنفط الأبيض منذ العام الماضي، وقبل حوالي أسبوع أعلنت الوزارة عن تصدير كميات من بنزين الطائرات من مصفى في البصرة بمقدار 12 ألف متر مكعب، وفق الخبير في مجال النفط والطاقة، كوفند شيرواني.
أزمة مفاجئة
وذكر شيرواني، خلال حديثه ، أن "هذه المعطيات تشير إلى وجود تقدم في عمل المصافي، وأن هذا التقدم سيتبعه تصدير أنواعاً أخرى من المشتقات كالبنزين والكاز أويل وحتى النفط الأبيض، قبل أن تحصل أزمة الكاز المفاجئة التي بدأت منذ مطلع تشرين الأول الجاري، رغم أن شركة توزيع المنتجات النفطية أعلنت في يوم 12 من الشهر الحالي عدم وجود شحة في إنتاج أو توزيع منتوج الكاز أويل أو زيت الغاز".
إلا أن المستهلكين والمواطنين يلاحظون هذه الأزمة في بعض المحافظات بشكل واضح، ما دفع الوزارة للتصريح لاحقاً بأن هناك توقفاً في مصفى كربلاء الذي سعته 40 ألف برميل ونسبة منه كانت لتكرير الكاز أويل والبنزين وغيرها، وأن هذا التوقف كان له دور في حصول أزمة ليس في الكاز أويل فقط، وإنما حتى في المشتقات الأخرى، بحسب شيرواني.
وأشار إلى أن "هناك أزمة في البنزين حالياً، حيث إن العراق لا ينتج ما يكفي من البنزين، إذ يبلغ الإنتاج حوالي 26 إلى 27 مليون لتر يومياً أمام حاجة تقدر بـ31 إلى 32 مليون لتر يومياً، وأن الوزارة أعلنت أن في نهاية العام الحالي أو في بداية عام 2025 ستصل إلى الاكتفاء من مادة البنزين، لكن الكاز أويل كان أمره مستجداً، ولم تكن هناك أي إشارة لوجود أزمة كما أن استيراده توقف منذ بداية هذا العام".
وأرجع الخبير، هذا الخلل إلى "الاعتماد الكبير على مصفى كربلاء، هذا المصفى رغم افتتاحه للتشغيل التجريبي في عام 2022 وعقد إنشاءه كان قد وقع في العام 2014، وبعد مرور 10 سنوات على توقيع العقد وسنتان على التشغيل التجريبي، يبدو أن هناك مشاكل تقنية في هذا المصفى الذي وصفته الوزارة بأنه بُني وفق المقاييس والمواصفات العالمية، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك ما يبرر كثرة التوقفات لغرض الصيانة في مصفى يعتبر الأحدث في العراق".
أما مصفى بيجي، فبين شيرواني، أنه "كان أكبر مصفى في العراق بطاقة إنتاجية 300 ألف برميل يومياً، وخرج من الخدمة عام 2014 ثم أٌعيد تأهيله في العام الماضي، وسيدخل الخدمة بإنتاجية 150 ألف برميل يومياً، وفي حال بدأ مصفى بيجي ومصفى كربلاء بالعمل بالطاقة الإنتاجية القصوى لهما دون عطلات تقنية أو سوء في التوزيع، فإنه لن تكون هناك أزمة في المشتقات النفطية وخاصة في الكاز أويل".
وعن أثر عمليات التهريب على الأزمة الحالية، نوه إلى أن "الكاز أويل والمشتقات النفطية من البنزين وغيره هي مدعومة من قبل الحكومة ووزارة المالية، وبالتالي كلفتها وسعرها أقل بكثير من الدول المجاورة كسوريا وتركيا، وبالتالي من غير المستبعد أن يكون هناك تهريب لنسبة من هذه المشتقات للاستفادة من فرق الأسعار الكبير لها".
ورأى شيرواني، أن "هناك معلومات عن وجود تهريب للنفط الخام، وبالتأكيد أن المشتقات لن تكون معصومة من عمليات التهريب، لأنها تحقق أرباحاً لا تقل عن أرباح النفط الخام". وأعرب في ختام حديثه عن أمله بأن "تحد وزارة الداخلية والجهات الأمنية من عمليات التهريب وخاصة المنتجات النفطية لأنها ستخلق أزمة يتحملها المواطن وخاصة الكاز أويل فهو يمثل وقود وسائل النقل العام من باصات وعجلات حمل ونقل البضائع، وبالتالي ستؤثر بشكل مباشر على كل السلع التي تنقلها هذه الوسائط، وعلى حركة نقل المواطنين داخل وخارج المدن".
"لا ضغط على المحطات"
من جهته، أكد مدير إعلام شركة توزيع المنتجات النفطية، رافد صادق، أن "شدة أزمة الكاز كانت في الأسبوع قبل الماضي، وهي تعود لعوامل عدة منها صيانة مصفى كربلاء الدورية التي أدت إلى خسارة جزء كبير من الإنتاج اليومي من مادة الكاز، ما اضطرنا إلى مناقلة مادة الكاز من مناطق شمال العراق كبيجي إلى مناطق الفرات الأوسط، والعمل بنظام الأولية لتوفير مادة الكاز، كما تم تجهيز المولدات السكنية خلال هذا الشهر بناءً على معدلات تجهيز الكهرباء الوطنية في المناطق".
وقال صادق، إن "منذ 4 أيام لم يتم تسجيل أي ضغط على محطات الوقود، وماضون بالتجهيز بالخطوط الثلاثة (محطات الكهرباء والمولدات السكنية والمواطنين)، وبعودة مصفى كربلاء للعمل - المتوقع نهاية الشهر الجاري - ستعود الأوضاع إلى حالتها الطبيعية بتجهيز الكاز لكل المحتاجين والجهات الطالبة لهذه المادة وتعظيمها في المستودعات".
وكان عضو اللجنة النفط النيابية، علي شداد، حدد اليوم السبت، الأسباب التي أدت إلى حصول أزمة في "الكاز"، بالقول إن "لجنة النفط والغاز النيابية استضافت في الأسبوع الماضي كلاً من: وزير الكهرباء، والكادر المتقدم بالوزارة والمديرين العامين في وزارة النفط، لمناقشة أزمة الكاز".
وأوضح شداد، أن "هناك كميات كبيرة من مادة الكاز يتم استخدامها من قبل وزارة الكهرباء لتشغيل بعض المحطات الكهربائية على اعتبار أن الكثير من المحطات تعمل على أكثر من منتج، بمعنى آخر أن بعض المحطات تعمل بمادة الكاز وتعمل بنفس الوقت بمادة الغاز".
كما أشار شداد الى أن "ضغط الغاز الإيراني انخفض بسبب الوضع الدولي، وعدم تسلم مبالغ الديون التي بذمة العراق عن توريد هذه المادة بسبب العقوبات الأمريكية على الجانب الإيراني، بالتالي كل هذه الأسباب قللت من كميات استيراد الغاز".
وتابع القول إن "وزارة الكهرباء قامت بتشغيل المحطات الكهربائية باستخدام مادة الكاز وبالتالي أثر سلباً على المواطنين، وهذا ما لاحظنا في الفترة الأخيرة حيث تم استنفاد الخزين الاستراتيجي في وزارة الكهرباء وفي وزارة النفط من مادة الكاز". وأوضح عضو اللجنة، أن "هناك خزيناً لوزارة الكهرباء قدره 200 ألف طن من مادة الكاز استنفد ايضاً، وكذلك تم استنفاد خزين وزارة النفط ويقدر 600 ألف طن وبالتالي لا يوجد لدينا خزين لمادة الكاز".
توجه للاستيراد
ولفت إلى أن "العراق ذاهب لاستيراد مادة الكاز من الخارج، وأن أقرب شحنة ستصل إلى العراق في تاريخ 25 من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري لتعويض الخزين الاستراتيجي الذي تم استنفاده من وزارة الكهرباء".
وعدّ شداد ذلك "مؤشراً سلبياً ربما ينعكس على وضع المواطنين بشكل أو بآخر"، مبيناً أن "عمليات الإنتاج من خلال المصافي الموجودة تكاد تكون بزيادة بسيطة جداً عن المستهلك، لأن الإنتاج يضاهي الاستهلاك ولكن احتياج وزارة الكهرباء لهذه الكميات أدى إلى حصول أزمة بالكاز". وخلص شداد، إلى القول إن "هناك قرارات غير مدروسة، وغير مهنية تشير إلى ضعف المستشارين في مجلس الوزراء عندما يقدمون مقترحات لرئاسة الوزراء لاتخاذ بعض القرارات".
واختتم حديثه بالإشارة إلى أن "هذه القرارات أثرت سلباً على أداء بعض الوزارات، وعدم دعم المعامل بمادة النفط الأسود، وبالتالي انعكس سلباً على زيادة الخزين لمصافي مادة النفط الأسود على حساب مادة الكاز، وهذا أثر سلباً على عمل بعض المصافي من خلال تخفيض الإنتاج ودخولها الصيانة".