Skip to main content

الشرق الأوسط الجديد: الحرب قبل الأخيرة وما بعدها

المقالات السبت 05 تموز 2025 الساعة 15:29 مساءً (عدد المشاهدات 84)

كتبـــ/مـــراد الغـــــضبان

قبل أكثر من مئة عام، حين توقفت مدافع الحرب العالمية الأولى لتكتب أوروبا خرائطها الجديدة، وُلد الشرق الأوسط كفكرة قبل أن يولد كحدود على الورق. لا تزال صور مارك سايكس وجورج بيكو وهما ينشران المسطرة والحبر على خرائط ورقية متشققة تذكّرنا أن كل شبر في منطقتنا صنعته صفقات أكبر من دماء الجنود وحدها.

توارثت الإمبراطوريات هذه الخرائط كإرث ثقيل. من الانتداب البريطاني والفرنسي إلى المخابرات الأمريكية التي حملت الخطط من حقائب السفر الدبلوماسية إلى أدراج البنتاغون. وما كتبه برنارد لويس في ثمانينات القرن الماضي لم يكن مقالة عابرة بل مسودة لما عاشته المنطقة لاحقًا من تقسيم على أساس المذهب والعرق والقبيلة. لا وحدة عراقية صلبة، ولا سوريا بلا جراح، ولا سودان موحد، ولا ليبيا إلا كذكرى في أرشيف دولة غابت.

اليوم تُكتب صفحة جديدة من المخطط نفسه بمداد أكثر فوضوية. حين قُصفت دمشق قبل أسابيع بصواريخ إسرائيلية وردّت إيران على تل أبيب مباشرة لأول مرة منذ عقود بدا المشهد أشبه بحرب كبيرة تفتح الطريق لحروب أكبر. المواجهة المباشرة التي تجنبتها العواصم منذ سقوط بغداد باتت الآن قريبة من تفجير كل خطوط التماس.

واشنطن ولندن لم تخفيا ذلك أبدًا. في مكاتب مجلس الأمن القومي الأمريكي عشرات الدراسات التي تتحدث عن حرب استنزاف طويلة بين إيران وإسرائيل هدفها الحقيقي إنهاك المنطقة بكاملها بدل حسم النصر لطرف واحد. من يتتبع تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أو تحركات البحرية الأمريكية قرب مضيق هرمز يفهم أن الحشود ليست عرضًا عابرًا في سماء مشتعلة.

أما أوروبا فهي أيضًا ليست بعيدة عن هذه الرقعة. من برلين إلى باريس تمرّ أنابيب الغاز والسياسة عبر شتاء أوكرانيا الثقيل. كل جبهة تفتح هنا تُستخدم هناك. من يتابع غزة أو جنوب لبنان أو الغارات الليلية في دير الزور يدرك أن هذه البقع الصغيرة أجزاء من خريطة أوسع تُرسم منذ 2011.

الخطير أن هذه النار لم تبلغ ذروتها بعد. المنطقة كلها مقبلة على اختبار وجودي حقيقي، والأنظمة المنهكة سياسيًا واقتصاديًا تكاد تترنح تحت وطأة هذا الاحتمال. هذا الملف لم يعد حبرًا في مراكز الدراسات بل أصبح بندًا يُناقَش خلف أبواب مغلقة في بغداد وعمان والقاهرة والرياض.

المشهد المقبل يحمل خرائط مرنة وحدودًا هشة ومحاور متنافرة. كيان عربي وسط هذا الركام لن يصمد طويلًا إن اشتعلت جبهات من كردستان العراق حتى باب المندب. من يتابع نشرات الأخبار لأسبوع واحد فقط يرى المشهد مكتملًا بلا حاجة إلى كثير خيال.

يبقى الجرح الأكبر أن حدودنا الأولى كُتبت بقلم ضابط بريطاني ووزير فرنسي. واليوم إن تركنا الدم نفسه يخط الخرائط مجددًا فلن يجفّ هذا الحبر أبدًا

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة