سكاي برس/ بغداد
في الأيام الأخيرة، أثيرت العديد من التكهنات حول هذه قضية مقتل الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، إذ هناك من قال إن جاسوساً إيرانياً أسهم في الكشف عن مكان نصرالله، وهناك من تحدث عن استخدام الذكاء الاصطناعي في اغتيال قادة "حزب الله" اللبناني. وفي هذه الأثناء، شاهدنا قراءة أخرى في إيران تختلف كلياً، إذ ادعى مصطفى كرمي وهو أحد تلامذة آية الله شبيري وآية الله آملي لاريجاني، في برنامج تلفزيوني أن "إسرائيل تسخر الجن للتجسس".
مضيفاً أن "لإسرائيل باعاً طويلاً في تسخير الجن، والشياطين هم جيشها الخفي". قبل وقت قصير من هذا الادعاء، وفي الوقت الذي كان نصرالله لا يزال على قيد الحياة، ذكرت بعض وسائل الإعلام الحكومية في إيران أن المرشد علي خامنئي لبس "خاتماً حديدياً" عندما التقى قادة الحرب الإيرانية - العراقية، وأن الإمام الأول للشيعة كان يلبس مثل هذا الخاتم أثناء الحرب مع الخوارج.
ويبدو أن سر هذا خاتم هو أنه يقضي على العداوة بين الجن والإنس ويفتح الطريق لمواجهة الشياطين. وبعد احتجاجات 2009 التي عمت البلاد، لبس علي خامنئي خاتماً حديدياً، ونقش عليه مفردة "علي ظافر".
إن الخواتم الغامضة والحديث عن الشياطين والجن ليس بالأمر الجديد على المسؤولين الإيرانيين، إذ تكرر هذا الأمر مراراً وتكراراً وفي أكثر من مناسبة خلال العقود الأربعة الماضية.
وأثارت ادعاءات مواجهة الشياطين وتسخير إسرائيل الجن للتجسس، كثيراً من ردود الفعل في الأيام الأخيرة، إذ أصبحت نكتة ومصدراً للفكاهة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. وسخر عديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من النظام الإيراني متسائلين: هل أخذ الجن الوثائق النووية السرية للغاية من إيران بشاحنة مثلاً؟ وأثار آخرون سؤالاً آخر مفاده أنه إذا ما افترضنا بالفعل أنه مثل هذه الخرافات مقبولة، فلماذا لا يستطيع المئات من طلاب الحوزات العلمية تسخير "الجن المسلم" لمواجهة إسرائيل.
كما ذكر البعض أيضاً وعلى سبيل المثال لا الحصر، أنه لماذا لا تحمي هذه الخواتم رجال الدين؟ وإذا ما نظرنا إلى تصريحات وادعاءات المسؤولين في النظام الإيراني خلال السنوات الماضية، نجد أن فكرة الاستعانة بالجن والشيطان مرفوضة لدى كثير من الناس، لا بل يعتبرونها خرافة لا أكثر ولا أقل، لكنها لدى بعض من أتباع المذهب الشيعي مقبولة ويستندون إلى بعض آيات القرآن.
مع ذلك، فإن تدخل الجن والشياطين في الشؤون الدولية هو ادعاء طرحه المسؤولون الإيرانيون لاستغلال المعتقدات الدينية للناس. وفي فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، تسربت بعض التقارير تفيد بأن نائب الرئيس اسفنديار رحيم مشائي ربط أشخاصاً تحت عنوان "طارد الأرواح الشريرة" بالرئيس أحمدي نجاد.
ولم يقتصر توظيف هؤلاء الأشخاص في الشؤون السياسية في النظام الإيراني على أحمدي نجاد ونائبه وحسب، بل كان الأمر شائعاً جداً، إذ قال الرئيس السابق حسن روحاني في أحد خطاباته في عام 2018 إن البعض يبحث عن الحلول غير العادية ويطلبون المساعدة من الجن لحل مشكلات البلاد.
وعلى رغم أن روحاني ادعى أنه ليس كغيره من مسؤولي النظام في تسخير الجن أو مواجهته، فقد نُشر في عام 2020 تقرير يفيد بأن روحاني قد أنشأ وحدة منفصلة للتعامل مع الجن في وزارة الاستخبارات (اطلاعات).
هذا الخبر أعلنه وزير الاستخبارات محمود علوي، إلا أنه عاد ونفى الخبر بعد يوم واحد.
وقد تسرب تسجيل صوتي لأحد مسؤولي وزارة الاستخبارات خلال الاحتجاجات التي عمت البلاد في عام 2022، يقول فيه إن "الأرواح الشريرة نشطت في هذه الاضطرابات وأن رجال الدين في البلاد يحاولون معالجة الجن".
وقبل هذا التسريب بوقت قد زعم عضو الحوزة العلمية محمد شجاعي أن "أحد أسباب الاضطرابات الأخيرة في إيران كان الجن". وأدرجت هذه الإجراءات على جدول النظام بعد أن ادعى المرشد علي خامنئي في الأيام الأولى لعام 2020 بأن هناك تعاوناً بين الجن والأجهزة الأمنية الدولية يهدف إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.
واستند خامنئي في طرحه هذا على الآية 112 من سورة الأنعام، إذ ادعى أن "نظام الجمهورية الإسلامية لديه أعداء كثر من الجن والإنس وكل هؤلاء يساعدون بعضهم بعضاً".
وفي الوقت نفسه، كان لخطاب خامنئي في وسائل الإعلام المحلية صدى واسع جداً، بخاصة عندما تم حذف عبارة "الأعداء الجن" من نص الخطاب.
وكما هو معلوم، في إيران لا يسمح لوسائل الإعلام المحلية أن تكتب أو تنشر تقارير مستقلة عن خطابات خامنئي، ويمكنها فقط أن تأخذ نص الخطاب من الموقع الإلكتروني للمرشد ونشره.
ولذلك، فإن حذف عبارة "الأعداء الجن" تم من قبل كبار المسؤولين وبيت المرشد، على رغم أن المرشد كان قد أشار في أكثر من مناسبة في خطاباته السابقة إلى الآية 112 من سورة الأنعام.
وفي جزء آخر من هذا البرنامج التلفزيوني تحدث أحمد عابدي وهو أستاذ في الحوزة والجامعة، تعقيباً على عبارة جيش الشياطين والجن والإنس التي وردت في خطاب المرشد لمناسبة عيد النوروز، قائلاً إنه "لا شك أن اليهود والصهاينة بشكل خاص لديهم تاريخ طويل في هذا الخصوص ولهم علاقة مع الشيطان والجن".
زاعماً أن "أنظمة التجسس الإسرائيلية تسخر هذه القضايا من دون أدنى شك". وعادت هذه الادعاءات من جديد عندما لبس خامنئي في الأيام الماضية خاتماً حديدياً.
وعليه يمكن القول إنه صحيح أن بعض فئات الشعب تؤمن بهذه المعتقدات الدينية، إلا أن النخب والنشطاء والأكاديميين يعتبرون أن مثل هذا النوع من الادعاءات والتصريحات دليل على عدم الكفاءة وسوء الإدارة من قبل المسؤولين في النظام الإيراني.