Skip to main content

الردع المستحق لمنع الأسوأ

مقالات الاثنين 08 تشرين ثاني 2021 الساعة 11:08 صباحاً (عدد المشاهدات 1732)

سكاي برس /

مصطفى أبو لبدة

 

لو أنّ الذين حاولوا اغتيال رئيس الحكومة العراقية، د. مصطفى الكاظمي، ليلة أمس، بطائرة مسيّرة مفخخة، كانوا على يقين بأنهم سيدفعون الثمن سدادًا حقيقيًا ثقيلًا، ربما ما كانوا فعلوها، ووفروا على العراق مآلاتٍ مفتوحة على الساحات المجاورة لجهنم.

ونفس الـ “ لو“، تنسحب على الكثير مما حصل، ويحصل الآن في اليمن، ولبنان، وشريط شمال سوريا، حيث سطوة الميليشيات المسلحة تتقاطع في عديد الحالات، مع عودة عمليات تنظيم داعش، ليتشكل منهما مشهد إقليمي مختل، تتوسع فيه شواهد الإرهاب التي يتصرف فاعلوها بقوّة أنهم يأمنون العقاب، كونهم محميين من قِبل قوى خارجية، إقليمية كانت أو دولية.

والذين يتصرفون وهم يأمنون العقاب، دولًا أو  وكلاء ، لهم في الأدبيات العسكرية توصيفاتٍ للعلاج الاحترازي غير معمولٍ بها في الشرق الأوسط، وهي ”الردع“. الردع بقوة القناعة الذاتية التي تجعل المعتدي يُحجم عن فعلته لأنه يعرف سلفًا أن الثمن الذي سيدفعه أكثر من الجدوى التي يسعى لها أو يتخيلها.

والردع بهذا المعنى له في بلاد الشام تسمية خاصة وهو امتلاك  الشخص“وَهْرة“ تقنع الآخرين بأنه يمتلك من أدوات الهجوم والدفاع ما يكفي لمنعهم من ترهيبه.

وكان العرب يصفون الرجل القوي بأن هيبته تطال الفرسان وهم على مسافة 4 أيام فوق ظهور الخيل.

وهي نفسها ”الوَهْرة“، أو قوة الردع ”deterrence force“ التي تُعرّفها وزارة الدفاع الأمريكية، في النسخة الأخيرة من قاموس التعابير الإستراتيجية الذي أصدرته، في أغسطس الماضي، بأنها ”قُدرة الدولة على الاستغناء عن  أي إجراءٍ مقبولٍ أو غير مقبول، من خلال إقناع الآخرين بأن كلفة ما سيفعلونه سترتد عليهم بما  يفوق فوائده المتصورة بالنسبة لهم“.

وهو تعريف مُحدّث للنظرية الإستراتيجية القديمة التي كانت تُعرّف ”الردع“ بأنه ”فن الزراعة في عقل العدو خوفًا يمنعهم من الهجوم“.

ويتحقق هذا الردع أو ”الوهرة“، بصورة تشبيهية كان محلل صحيفة الواشنطن بوست، مايكل كينسلي عرضها كالتالي: تصوّر نفسك أنك تقف على حافة منحدر، مقيدًا من كاحل قدمك بشخص آخر يحاول أن يزحزحك ويدفعك للسقوط، كيف تقنعه بالاستسلام؟ الجواب هو أن تبدأ بالحركة المتدرجة نحو الحافة.

 

وبهذه  الطريقة  لن تضطر الى إقناعه بأنك ستفعل شيئًا خارج المنطق، من نوع  أن كليكما ستسقطان في الهاوية، عليك فقط إقناعه بأنك مستعد لتحمّل مخاطرة أعلى من مخاطر  السقوط في الجُرف عن طريق الخطأ، وإذا كان بمقدورك فِعل ُ ذلك ، ستفوز“.

وهذا النوع من الردع الذاتي الاستباقي لمن يأمنون العقوبة، سواء أكانوا ميليشيات وكيلة أو تنظيمات أو دولًا، لم يكن متاحًا  للعديد من القيادات العربية فيما المنطقة تستظل الولاية الأمريكية.

ففي كل حالة  كما حصل، أمس، في محاولة  اغتيال رئيس الوزراء العراقي، وقبلها في اليمن، وفي لبنان أيضًا، فإن الموفدين الأمريكيين يتولون القضايا الدامية فور حصولها، بالتحقيق أو الوساطة، وبسطوة حضورٍ تبعث رسائل لمختلف الأطراف بأن واشنطن  هي صاحبة الولاية، وأن الردع الذاتي المحلي نهج غير مرحبٍ به، ويخلّ بالمعادلة.

والآن وفي مرحلة الخروج الأمريكي المرتبك من المنطقة، تتصرف الدول المجاورة للمحيط العربي- إيران، وتركيا، وإسرائيل- بوحي أن كلًا منها منفردة هي الأقدر على ملء الفراغ بقوة ما لديها من ميليشيات، أو طائرات مسيرة، أو تقنيات حروب الجيل الخامس.

وسواء أكانت هذه التصرفات من دول الجوار غير العربية، تتم باستثمار ضعف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أو بالتواطؤ، فإن مقتضى الحال بات يستوجب أن تستخدم  هذه الدول قدراتها المشروعة في الردع الذي يُغني عن تكاليف المواجهة.

وكل دول العام تبني صورتها في أذهان الآخرين على مبدأ أن لديها من أوراق القوة الذاتية الخفية ما تستطيع به أن تمنع نيل الآخرين منها، وأن تجعل ثمن الاعتداء عليها مُكلفًا حدّ أفضلية الاستغناء الطوعي عنه، ولديها أدواتها الخاصة في ذلك.

كيف للدول العربية التي تعرف أنها مستهدفة أن توقف توالي تعريضها لإرهاب الميليشيات والطائرات المسيّرة، دون أن تمارسه هي نفسها؟ هذه مسألة متروكة بطبيعتها لكل قيادة في تشخيص ”الوهرة“ التي تناسب ظروفها.

هذا الخيار الذي  كان مستبعدًا خلال السنوات الماضية، يبدو الآن مستحقًا في ظل قناعات معممة بأن الشرق الأوسط أمامه عدة سنوات من الفراغ المترافق مع الانسحاب الأمريكي التدريجي.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة