سكاي برس/ بغداد
كشف مصدر حكومي أن يجري مباحثات مع الجانب الأمريكي لتوضيح طبيعة رواتب "الحشد الشعبي"، بهدف تفادي إدراجها ضمن الملفات الحساسة المرتبطة بالميليشيات، تجنبًا لأي إجراءات عقابية إضافية، مع احتمال تقديم بيانات تفصيلية بشأن هذه الرواتب.
وذكر مصدر، طالبًا عدم ذكر اسمه، إن "الحكومة اضطرت أخيرًا إلى تجاوز الآليات المعتادة لصرف الرواتب، بسبب التوقف المفاجئ في التحويلات، إلا أن هذا الإجراء لا يمكن اعتماده كنهج دائم، لأن أي عملية تمويل خارج إطار الرقابة قد تُفسر على أنها محاولة التفاف، ما قد يعرض العراق لضغوط إضافية أو عقوبات مالية".
وتعتمد الحكومة العراقية بصورة شبه كاملة على الدولار في تمويل الموازنة ودفع الرواتب، وهو ما يجعل أي قيد خارجي على مسار التحويلات يمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار المالي. ويتوقع خبراء أن استمرار هذا الوضع قد يدفع جهات دولية إلى فرض مزيد من الرقابة على النظام المالي العراقي، وقد ينعكس سلبًا على التصنيف الائتماني للبلاد، الأمر الذي سيزيد صعوبة تعامل بغداد مع المؤسسات النقدية العالمية.
وكانت هيئة قد أعلنت تمكنها من دفع رواتب منتسبيها عبر مصرف بديل، بعد أيام من توقف التحويلات من المصرف الرئيس المعتمد، لكنها لم تكشف عن تفاصيل العملية أو مصدر التمويل، ما أثار تساؤلات حول مشروعية هذا المسار الجديد ومدى قدرته على الصمود أمام التدقيق الدولي. غير أن منتسبين يؤكدون أن الرواتب لا تزال معلقة، وأن العديد منهم لم يتمكن من استلامها حتى الآن، إذ وافقت شركات محدودة على عملية التوزيع، بينما أبدت شركات أخرى تخوفها من احتمال تعرضها لعقوبات أو صعوبة إتمام تسويات مالية لاحقة.
صندوق تنمية العراق
تعود السيطرة الأمريكية على أموال العراق إلى قرار مجلس الأمن رقم 1483 الصادر عام 2003، والذي نص على إنشاء صندوق تنمية العراق وإيداع عائدات النفط فيه لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي ، بهدف حمايتها من المطالبات القضائية الدولية.
لكن هذا الإطار القانوني انتهى فعليًا عام 2021، وتم إغلاق ملف المطالبات رسميًا بموجب القرار 2621 الصادر عام 2022، ما دفع خبراء اقتصاديين إلى المطالبة بتحرير القرار المالي العراقي من الوصاية الأجنبية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه إن "استمرار وضع الأموال العراقية تحت سيطرة الفيدرالي الأمريكي بعد انتفاء مبررات قرار 1483 يمثل ثغرة في السيادة المالية للعراق، ويمنح واشنطن أداة ضغط فعالة يمكن استخدامها عند الحاجة".
وأضاف عبد ربه أن "العراق بحاجة إلى توحيد موقفه السياسي لإعادة التفاوض بشأن ترتيبات ما بعد 2003، والعمل على تأسيس صندوق سيادي عراقي لإدارة الفوائض النفطية، مع تنويع الاحتياطات بالعملات الأجنبية المختلفة وتقليل الاعتماد على المنصات التي تفرضها وزارة الخزانة الأمريكية".
ويرى خبراء أن ما حدث في ملف رواتب الحشد الشعبي يعد أول إشارة علنية على إمكانية توظيف النظام المالي كسلاح ضغط سياسي، خاصة في ظل تعقد العلاقة بين واشنطن وبغداد فيما يتعلق بملف الميليشيات المسلحة، التي تتهم بعض تشكيلاتها بتلقي دعم مباشر من .
ويؤكد مراقبون أن الحكومة العراقية باتت واقعة بين ضغوط الالتزامات الداخلية والمطالب الأمريكية، خاصة أن هيئة الحشد الشعبي تُعد مؤسسة رسمية بموجب قانون صادر عن البرلمان.