Skip to main content

"وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا" هل تغاضت المجتمعات عن قول الله .. وهل اصبح رمضان شهر الاسراف والتبذير؟!!

عربية ودولية السبت 30 آذار 2024 الساعة 14:59 مساءً (عدد المشاهدات 2381)

 

سكاي برس

تروي احدى ربات البيوت انها قبل بدء شهر رمضان بيوم اخرجت، جزءاً من مدخرات الأسرة النقدية لشراء مونة رمضان، وتنقلت بين أفواج الناس في أسواق دمشق سوريا، من دكاكين اللحومات، للجدران العملاقة في المراكز التجارية، إلى مخابز الحلويات، واشترت حصصاً غذائية تكفي العائلة لأسابيع.

وفي العام الفائت، اضطرت لرمي بعض الأجبان والألبان في سلة النفايات بعد انقضاء 10 أيام من رمضان، ليس لأنها منتهية الصلاحية، بل لأنها لم تعد قابلة للاستهلاك، إما بسبب العفن، أو الحموضة، لا سيما في ظل انقطاعات التيار الكهربائي الطويلة. كما تقول السيدة في مقابلة مع احدى المواقع الدولية .. ان الكثير من هذه الأطعمة خلال رمضان لا تتناولها العائلة، وبهذا لم تتعلم من أخطاء الماضي، وقد كدست صفوف علب الجبن واللبنة والمرتديلا وغيرها، هذا العام أيضاً، في سلتها الرمضانية.

ليس فقط في سوريا، بل في جميع المجتمعات الإسلامية التي تتعبد خلال الشهر - تحديداً في البلدان العربية - حيث تُسجَل زيادات غير مسؤولة وكارثية في نسب هدر الموارد الغذائية والإسراف على شراء الأطعمة، والتي بطبيعة الحال، تنتج عنها كميات تنتهي في مكبات النفايات، حيث تساهم في تعزيز إنتاج غاز ثنائي أكسيد الكربون الضار بالبيئة والكوكب.

مثل هدر الطعام 8-10% من انبعاثات الكربون العالمية المرتبطة بالأغذية غير المستهلكة، وتظهر الإحصائيات أن 26% من هذا الهدر يحدث في قطاع الخدمات الغذائية، تليه صناعة البيع بالتجزئة بنسبة 13%، فيما تكون الأسر مسؤولة عن 61% منه.

وعلى الرغم من أن هنالك ملايين الأشخاص غير القادرين على الوصول إلى موارد كافية من المواد الغذائية في دول عربية، مثل الصومال والسودان وفلسطين والأردن ومصر وسوريا، إلا أن حجم الإنفاق في رمضان، لا سيما في دول الخليج، وحتى في بعض البلدان المذكورة التي لا تملك الموارد الكافية، يرتفع بنسبة 50% مقارنة بباقي شهور السنة، وتقول منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) إن الفرد في البلدان العربية، يهدر متوسط 250 كيلوغراماً سنوياً من الغذاء، وإن هذا الهدر يزيد في رمضان ليصل إلى 350 كيلوغراماً.

أدى أئمة العرب في مراحل وحقب عديدة، أدواراً جوهرية بآثار سريعة ومباشرة، لا سيما حين يتعلق الأمر بتغيير سلوكيات وطرق تفكير، بغض النظر عن إيجابيات ذلك أو سلبياته، لذلك قد يكون لهم دور فعال في الحد من مستويات الهدر والإسراف بشكل عام، وخلال رمضان بشكل خاص، إن نجحوا كخطوة أولى في إقناع الصائمين في البلدان العربية على الاقتصاد بإعدادهم لوجبتي الإفطار والسحور، وتوضيح المقصد الجوهري من الشهر الكريم الذي يغيب عن ذهن الكثيرين.

خلال السنوات الأخيرة نشطت مبادرات عديدة من قبل مساجد المسلمين حول العالم بهدف تعزيز الثقافة الإسلامية في عناوين مثل الحفاظ على البيئة والحد من الهدر والتبذير، إلا أن هذه المبادرات من وجهة نظر نشطاء البيئة، غير كافية.

منسق الحملات والتواصل العالمي في مشروع "أمة لأجل الأرض" في منظمة "غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، نهاد عواد، يقول في تقرير إن الأئمة كقادة دينيين يمكن أن يلعبوا دوراً في العمل البيئي عموماً على مستوى عالمي، من خلال حشد الجهود والدعوة لسياسات مناخية عادلة، وتعزيز التعاون بين القادة الدينيين والجهات الفاعلة الدينية، وتطوير وتعزيز برامج التعليم المناخي المتأصلة في التعاليم الإسلامية، إضافة لتحريك الموارد المالية لدعم وتطوير وتنفيذ حلول الطاقة المستدامة، وتحفيز المشاركة الفعالة للمجتمعات المحلية في مبادرات العمل المناخي.

الدين الإسلامي لم يعتن بالعبادات كالصلاة والحج وغيرها فقط، بل أعطى اهتماماً كبيراً لكل ما يخص الإنسان والبيئة من حوله، ومن مسؤولية الأئمة في الدول العربية ترسيخ رسالة دينية توضح الآثار السلبية للتبذير والإسراف وما ينتج عنهما من أضرار تلحق بالبيئة والكوكب

وتضيف عواد: "يمكن لشهر رمضان أن يكون نقطة بداية لأسلوب حياة أكثر استدامة بقيادة فاعلة من قبل أئمة المسلمين، من خلال الخطب الخضراء والدروس الدينية والتوعية والدعوة للعمل"، فيما ترى أن "اهتمام المجتمعات المسلمة بعاداتها وجعلها صديقة للبيئة هو جزء من التعبّد ومن دور المسلمين كمستخلفين على هذه الأرض".

ماذا يقول الدين؟

خطيب جامع سنان باشا بدمشق، وأحد أئمة المسجد الأموي، الشيخ المثنى نزار الخطيب، يركز في خطبه أيام الجمعة ودروسه الدينية على مواضيع مثل التبذير وقلة التدبير والإسراف، ليس فقط في الطعام، بل أيضاً باللباس واستخدام الموارد كالطاقة، وينفرد في خطب أخرى في مواضيع الحفاظ على البيئة.

ويقول إن الدين الإسلامي لم يعتن بالعبادات كالصلاة والحج وغيرها فقط، بل أعطى اهتماماً كبيراً لكل ما يخص الإنسان والبيئة من حوله، ويؤكد أنه من مسؤولية الأئمة في الدول العربية ترسيخ رسالة دينية توضح الآثار السلبية للتبذير والإسراف وما ينتج عنهما من أضرار تلحق بالبيئة والكوكب، لا سيما خلال الشهر الكريم، لأن ذلك هو أساس الدين، بحسب تعبيره، وليست مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومات والمؤسسات فقط، فضلاً عن أنها سلوكيات تجعل الإنسان أكثر انضباطاً.

ويضيف إمام المسجد الأموي -أحد أشهر مساجد المسلمين في العالم- إنه جاء في الأحاديث النبوية الشريفة ذكرٌ واسع ومفصل لإرشادات ووجهات نظر الدين حول مفاهيم التدبير وعدم الإسراف والحفاظ على البيئة والسلوكيات التي يجب أن يتحلى بها المسلم ويعتنقها عادةً وفكراً في حياته اليومية، ويشير إلى أن النبي محمد فضل التدبير على الإسراف حتى لو بغرض العبادة، حيث يروى أنه نهى المسلم عن الإسراف في استخدام الماء خلال الوضوء "ولو كان على نهر جار"، وأن الإسلام عموماً قد حرم التبذير والإسراف بالاستناد لقوله تعالى: "وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا".

نشط خطابات الأئمة العرب حول مواضيع التبذير والحفاظ على البيئة خلال رمضان بشكل أكبر عن بقية الأشهر، بحسب بحث سريع عبر غوغل، حيث نجد العديد من مقاطع الفيديو المصورة لخطب الأئمة خلال أيام الجمعة في رمضان، تنفرد حول التوعية من وجهة نظر دينية بمواضيع التبذير والإسراف وحماية البيئة، وعادة ما يكون هنالك نقاط مشتركة في تلك الخطب، أبرزها التركيز على الأزمات التي يعاني منها الكوكب مثل نقص الموارد والمجاعات والاحتباس الحراري المتزايد، والتي تهدد جميعها قدرة الوصول إلى الغذاء بشكل متساو من قبل جميع بني البشر.

كما يتم التركيز على شرح المقصد الأساسي من الشهر الكريم، أي العبادة والتقرب من الله والشعور بحاجة الفقير والإحسان، ويتفق معظمهم على أن الشهر الكريم "تحول عند الكثير من الأسر المسلمة في الدول العربية إلى شهر للإسراف والتبذير وشراء الأطعمة". فضلاً عن تكريس وسائل الإعلام العربية لأفكار التبذير والإسراف من خلال برامج الطعام وتحضير الموائد الرمضانية.

يقول حسين (48 عاماً) إن أسرته تكتفي خلال رمضان بصنفٍ واحد من الطعام على المائدة خلال وجبة الإفطار، ويضيف "حرصت على تربية ولدي على الاقتصاد وحسن التدبير، والاكتفاء بما يحتاجونه وما هو ضرورة لحياتهم، ليس فقط في الطعام، بل في كل ما يرتبط بحياتهم، وهو أسلوب حياة يجعل الإنسان أكثر انضباطاً وتقديراً لما بين يديه".

ويشير حسين إلى أن أسلوب الحياة هذا كان قد تعلمه من سن مبكرة من خلال الخطب الدينية التي كان يحضرها في الجامع الأموي بدمشق برفقة والده.

اكتسب التحرك نحو الوعي البيئي بما في ذلك الحد من هدر الموارد، بعض التقدم في المجتمعات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال، أدخلت مدن في العراق ممارسات خضراء خلال موسم الحج في عاشوراء والأربعين، تشمل توعية وتشجيع 20 مليون حاج يزورون الأربعين سنوياً بتقليل أطنان القمامة التي يتركونها كل عام والتي تتسبب بسد الممرات المائية.

عموماً، يمكن العثور على الروابط بين الإسلام والاستدامة في النصوص التأسيسية للدين، التي تؤكد على أنه يجب على المسلمين تجنب الإفراط والتبذير، واحترام الموارد والكائنات الحية والاستهلاك العادل، فيما يرى كثر، أنه يمكن للإسلام - أكثر من أي نظام آخر في العالم - أن يمثل نموذجاً للإشراف البيئي من خلال المبادئ والإرشادات والسياسات الإسلامية التي يحددها تجاه تعاطي البشر مع بيئتهم ومواردها.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة